
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله على إحسانه والشكر له سبحانه وتعالى على امتنانه ونشهد بأنه لا إله إلا الله تعظيما لشأنه، وأن محمدا عبده ورسوله داع لرضوانه، وصلي اللهم عليه وعلى آله وخلانه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد مهما قلنا بحق الوطن لا نقبل بأن يمسه سوء من أحد، ولا أن يهان من كاره، فهو نبض الروح والحياة، وواجبنا إذا حصل مكروه له لا قدر الله هو الدفاع عنه بالمال والأنفس، والتصدي للأعداء بالقوة والفكر والثقافة، كما يكون الدفاع عنه بالعلم والأخلاق، وحمل رسالته، ويقول الشاعر “بلادي أحبك فوق الظنون، وأشدو بحبك في كل نادي، عشقت لأجلك كل جميل، وهمت لأجلك في كل وادي، فإن أجدادنا ضحوا من أجل تراب الوطن وشموخه، وعلينا نكمل مسيرتهم، بالولاء والانتماء والجد والعمل، فحب الوطن لا بالأقوال بل بالأفعال والوفاء والتضحية والإلتزام.
إذ يبنى الوطن بسواعد أبنائه وهمتهم، فهم الذين يقودون تطوره ونهضته بين الأمم، فهذا من مسؤوليتهم إتجاهه بلا شك، ويكون حب الوطن بأن يجد أبناءه ويجتهدوا ويصنعوا لنفسهم مكانة بين باقي الشعوب، لأن الوطن مثل الأم الحنون التي تفتخر بإنجاز أبنائها، وكلما أعطى الأبناء أكثر، زادهم الوطن أكثر فأكثر، فهو في الولادة يمنحك اسمه وانتماءه وعاطفته، وفي الحياة يمنحك الأهل والبيت والسكن والتعليم، وفي الموت يحتوي أبناءه بترابه ويضمهم إليه إلى أن يشاء الله، لذلك يلتصق الوطن بكل ما يخص أبناءه من المهد إلى اللحد، ولطالما تغنى الشعراء والأدباء بالوطن، ولطالما قيلت فيه أعذب القصائد والحكم والتوصيات، لكن مهما قيل فيه، تبقى الأبجدية مقصرة في وصفه، فلا أحد أبدا يستطيع أن يصف جنته ويوفيها حقها، لذلك فليكن الوطن دوما في القلب والوجدان.
وكما أن حب الوطن عند الصالحين والحكماء، وقال سيد الزهاد إبراهيم إبن أدهم أنه قال ” ما قاسيت فيما تركت شيئا أشد علي من مفارقو الأوطان” وقال عبد الله ابن الزبير “ليس الناس بشيء من أقسامهم أقنع منهم بأوطانهم” وكما قال الغزالي ” والبشر يألفون أرضهم على ما بها، ولو كانت قفرا مستوحشا، وحب الوطن غريزة متأصلة في النفوس، تجعل الإنسان يستريح إلى البقاء فيه، ويحن إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هوجم، ويغضب له إذا انتقص” وإن الوطن إصطلاحا هو المكان الذي ولد فيه الإنسان ونشأ فيه، ويتشابه هذا المعنى بالتعريف اللغوي لهذه الكلمة، ولكن مفهوم الوطن بالمعنى الحالي كما يعلمه المواطن هو البلد الذي يسكنه المرء، ويرتبط به، وينتمي إليه، ويحصل على الجنسية منه، أي أن مفهوم الوطن بدأ من المنزل، ثم الحيّ، وتوسع حتى شمل المدينة.
وتوسعت الرقعة حتى أصبح داخل حدود جغرافية مرسومة على الأرض وعلى الخريطة، ويطلق على الشخص الذي يسكن هذا الوطن اسم المواطن، ويربطه به مفهوم الوطنية، والوطنية تعني حب الوطن والنضال لأجله، والقتال في سبيله والولاء والإخلاص له، فهذه من حقوق الوطن على المواطن، الذي يجد المواطن فيه الأمن والإستقرار، وتوفر حاجاته الأساسية من ماء وغذاء، واعلموا يرحمكم الله أن حب الوطن من الإيمان فحب الوطن نابع من إيمان عميق وإخلاص شديد، وواجبنا اتجاه ذلك أن يكون حاضرا في أدعيتنا في ساعات الإستجابة، والدعاء بدوام الأمن والأمان عليه، كتلك التي دعا بها سيدنا إبراهيم عليه السلام لمكة المكرمة، في قوله تعالى ” وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر “

