
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، لا فوز إلا في الإلتزام بطاعته، ولا عز إلا في التذلل لعظمته، ولا غنى إلا في الإفتقار لرحمته، ولا حول إلا بالإنحياز لقوته، ولا سمو إلا بالإيمان بقدرته، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، إعتز بالله فأعزّه، وإستنصر بالله فنصره، وتوكل على الله فكفاه، وتواضع لله فذلل له رقاب الكافرين، المبعوث بالدين القويم، والدستور الحكيم، والصراط المستقيم، أرسله الله رحمة للعالمين، وإماما للمتقين، وخاتما للنبيين صلي الله عليه وسلم أما بعد اعلموا أيها المسلمون أن الميزان الدقيق هو طلاقة الوجه وبذل المعروف وكف الأذى وصدق التوجه وحسن الظن وكرم الأصل وصفاء النفس، وطيبة القلب ولين الجانب وصلة الرحم، وهذه أخلاق المسلم الذي آمن بالله ربا وبالإسلام دينا.
وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، ولقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أبا هريرة بوصية عظيمة فقال يا أبا هريرة عليك بحسن الخلق، فحسن الخلق هو الميزان الدقيق في المجتمع، فهو يحقق الأمان ويرفع البنيان، ويريح الابدان، ويرضي الرحمن، فقال راوي الحديث أبو هريرة رضي اللّه عنه وما حسن الخلق يا رسول الله؟ قال صلي الله عليه وسلم ” تصل من قطعك، وتعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك” رواه البيهقي، وقد ذكرت المصادر أن رجلا نزل هو وولده واديا، وإنشغل الرجل بعمله، وأخذ الولد الصغير يلهو بكلمات وأصوات، فوجئ الولد أن لهذه الأصوات صدى يعود إليه، فظن أن هناك من يكلمه أو يرد عليه، فقال من أنت؟ فعاد الصدى من أنت؟ قال الولد أفصح لي عن شخصك؟ فرد عليه أفصح لي عن شخصك؟ فقال الولد غاضبا أنت رجل جبان وتخفي عني.
فرجعت إليه العبارة نفسها، فقال الولد إن صاحب الصوت يستهزئ به ويسخر منه، فانفعل وخرج عن طوره، وبدأ يسبّ ويلعن، وكلما سب أو لعن رجعت عليه مثلها، جاء الوالد ووجد ولده منهارا مضطربا، فسأله عن السبب، فأخبره الخبر، فقال له هوّن عليك يا بني، وأراد أن يعلّمه درسا عمليا، فصاح بأعلى صوته أنت رجل طيب، فرجع إليه الصوت أنت رجل طيب، ثم قال أحسن الله إليك، فكان الردّ أحسن الله إليك، وكلما قال كلاما حسنا كان الرد بمثله، فسأل الولد والده بدهشة وإستغراب لماذا يتعامل معك بطريقة مؤدبة ولا يسمعك إلا كلاما حسنا؟ فقال له الأب يا بني، هذا الصوت الذي سمعته هو صدى عملك، فلو أحسنت المنطق لأحسن الردّ، ولكنك أسأت فكان الجزاء من جنس العمل، واعلموا يرحمكم الله إن الإحسان كالمسك ينفع حامله وبائعه ومشتريه.
وقد ثبت في الحديث أن شربة ماء قدمتها امرأة بغي زانية، لكلب عقور أثمرت دخول جنة عرضها السموات والأرض لأن صاحب الثواب غفور شكور، غني حميد وجواد كريم فلا تحتقر أخي المحسن إحسانك وجودك وعطاءك مهما قل، فيا أخي الحبيب هل تريد أن تنفس كربتك ويزول همك؟ فرج كربات للمساكين وهل تريد التيسير على نفسك؟ يسر على المعسرين وهل تريد أن يستر الله تعالي عليك؟ استر عباد الله، والجزاء من جنس العمل، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”

