
د. علي الدكروري
في ظل المتغيرات العالمية، بات من الضروري أن تبني الدول استراتيجيات تعاون قائمة على المصالح المشتركة والرؤى المتوافقة. والشراكة التي تم توقيعها مؤخرًا بين وزارتي السياحة في مصر والسعودية تعكس وعيًا عميقًا من الجانبين بأهمية توحيد الجهود في صناعة السياحة، باعتبارها أحد المحركات الحيوية للتنمية الاقتصادية.
ما يميز هذه الشراكة أنها ليست مجرد اتفاق بروتوكولي، بل مشروع تنفيذي واضح، يحمل في طياته برامج تدريب وترويج وتبادل خبرات، ويعتمد على قاعدة تفاهم تم بناؤها منذ 2014، ما يعني أن هناك إرادة حقيقية لتحويل التعاون إلى نتائج ملموسة.
إن الربط بين رؤية السعودية 2030 واستراتيجية مصر السياحية 2030 يفتح الباب أمام شراكة استراتيجية طويلة المدى، قائمة على تبادل القيمة. فالسعودية باتت واحدة من أبرز الوجهات السياحية في المنطقة، ومصر تملك رصيدًا أثريًا وحضاريًا يجعلها مقصدًا فريدًا لا ينافس. هذا التنوع إذا تم توظيفه بشكل تكاملي، فسنشهد خريطة سياحية عربية جديدة أكثر اتزانًا وتنوعًا.
ولا يفوتني أن أشير إلى الأرقام الإيجابية التي تكشف عن تصاعد حركة السياحة بين البلدين. أكثر من 600 ألف سعودي زاروا مصر في نصف عام فقط، ومساهمة السعوديين في دخل السياحة المصرية تمثل نسبة مؤثرة، وهذا الرقم مرشح للزيادة إذا تم الاستثمار الجيد في هذا البرنامج.
كما أن التعاون لا يقف عند حدود الترويج والتدريب، بل يتجه إلى تنشيط المسارات السياحية، وربما في المستقبل القريب نرى باقات سياحية مشتركة تنقل السائح من جدة إلى القاهرة، ثم إلى الأقصر وأسوان، وربما إلى العلا والرياض. هذا النوع من الربط يعزز تجربة السائح ويضاعف العائد الاقتصادي.
أخيرًا، أرى أن هذه الشراكة هي خطوة في الاتجاه الصحيح. وعلينا كقطاع خاص ورجال أعمال أن نكون شركاء في دعم هذا التوجه، عبر الاستثمار في الفنادق والخدمات السياحية، وتطوير البنية التحتية الداعمة، وتدريب الكوادر، فالسياحة لا تبنى بقرار حكومي فقط، بل بمنظومة متكاملة من الجهود الرسمية والخاصة.
إنه وقت العمل… ووقت بناء جسور سياحية عربية تليق بماضينا وتليق بطموحاتنا.

