مقال

التودد إلى الناس نصف العقل


بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله أحاط بكل شيء خبرا، وجعل لكل شيء قدرا، وأسبغ على الخلائق من حفظه سترا، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله إلى الناس كافة عذرا ونذرا صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، أخلد الله لهم ذكرا وأعظم لهم أجرا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين ثم أما بعد أيها المؤمنون ينبغي للمسلم أن يحمل إخوانه المسلمين على المحمل الحسن ما إستطاع إلى ذلك سبيلا، فإنه قد يظن بأخيه بعض الظن، ولعله أن يكون مخطئا في ظنه، ومما يذكر هنا أن رجلا مرض وتغيب عن عمله فترة من الزمن فلما شفي من مرضه وعاد إلى عمله يقول من الأدب أن أسلم على رئيسي المباشر، قال فلما دخلت عليه وجدت عنده رجالا وهو يتحدث بالهاتف

قال فمددت إليه يدي وكنت أتوقع أن يقوم ويصافحني ويحمد الله على سلامتي، وإذا به يصافحني ببرود ولم يتكلم معي، قال فجلست قليلا ثم ذهبت وقد وجدت في نفسي شيئا إلا أني دفعته بالتماس بعض الأعذار، وذهبت في عملي وإنهمكت في العمل وبعد أربع ساعات وإذا به يأتي ويسأل عني فلما رآني التزمني وعانقني، وقال الحمد لله على سلامتك لم أراك اليوم، وسألت عنك، قال فقلت لقد جئتك وسلمت عليك، قال أبدا لم يحدث هذا، فعندها تبين لي معنى حسن الظن بالمسلمين حيث إنه كان شارد الفكر عندما كان يتحدث بالهاتف، قلت ما أحوجنا أيها المؤمنون أن نسأل ربنا عز وجل أن يمنحنا قلوبا نقية تحسن الظن بإخوانها، فيا أيها المسلم إعلم إن أولى الناس أن نحسن الظن به هم أهلك من الوالدين والأبناء والزوجة والجيران والأصدقاء والزملاء.

ولابد أن تعلم أن من نقاء القلب هو حسن الظن بولاة الأمر من العلماء والحكام وأن نحملهم على المحمل الحسن ما إستطعنا إلى ذلك سبيلا، فسبحان الذي جمع قلوب المؤمنين على المودة، و جعلهم في توادهم كالجسد الواحد، ومن علامات الإيمان هو مودة بعضهم لبعض، وهو الله عز وجل الذي ألف بين قلوبهم بإيمانهم به، فاجتمعوا وأتلفوا ولم يكن هذا بسعي أحد ولا قوة أحد إلا الله، فلا يقدر على تأليف القلوب إلا الله، فقال ابن عباس رضي الله عنهما “إن الله إذا قارب بين القلوب، لم يزحزحها شيء” وهذه المودة التي جعلها الله في قلوب هؤلاء المؤمنين بسبب هذا الإيمان، كما أخبرهم سبحانه ” إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ” أي يلقي بينهم المحبة، فيحب بعضهم بعضا، فيتراحمون ويتعاطفون بما جعل الله في قلوبهم من هذه المحبة التابعة لمحبته.

وأهل المعاصي والفسوق، إذا كان بينهم نوع مودة فإنها سرعان ما تنقلب، وتستحيل إلى عداوة وكثيرا ما تكون في الدنيا قبل الآخرة، فهو معجّل، وهذه المودة بين المؤمنين ليست لأجل نسب ولا مال، وإنا وإن لم يكن بيننا نسب، فرتبة الود تعلو رتبة النسب، وهذه إذا تفكر فيها الإنسان وجدها من جذوة الإيمان، ويقول ميمون بن مهران ” التودد إلى الناس نصف العقل ” واعلموا يرحمكم الله أن لهذه المودة أسباب، ولها طرق في تحصيلها بالإضافة إلى توفيق الله سبحانه وتعالي وأساس الإيمان الذي بنيت عليه، وقد كثرت الدورات النفسية التي تطل على الناس بمدربين وكتاب، ومعاهد ودورات، كيف تصبح محبوبا، وكيف تكون رجل علاقات ناجحا، وكيف تكون جذابا، وكيف تكسب مودة الآخرين، وغفل كثير من هؤلاء المدربين والمتدربين عن الأسباب التي وردت في الشرع.

في تحصيل المحبة وكسب القلوب، وأساس القضية، وهذه المحبة التي جعلها الله في قلوب الناس لهذا المؤمن الذي اقترب من ربه فأحبه، هذه المودة الموعود بها، كما قال تعالي ” إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ” فاتقوا الله عباد الله، وصلوا وسلموا على محمد بن عبدالله كما أمركم الله في كتابه وقال صلى الله عليه وسلم “من صلى عليّ صلاة واحدة، صلى الله عليه بها عشرا” اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

sdytm165@gmail.com

About Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *