مقال

أهم إنجازات الفكر الإنساني


بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد إن إنطلاق المؤمن بالحب والود نحو إخوانه، لا يحصل إلا إذا فرّغ قلبه من الحسد والحقد والغش، وأنواع أمراض القلوب التي تحصل عند من ضعف إيمانه، وقلة توكله وضعف رجاؤه فيما عند الله جل وعلا، ذلك أن الذي مُلئ قلبه بالحسد والغش، فإنه يظن أن الخير الذي يؤتاه الآخرون، فإنه ينقص ما قد يؤتيه الله إياه من الخير، وما علم أن لله خزائن السموات والأرض، وله ملكوت السموات والأرض، وأن ما يعطيه لله لغيره لا ينقص ما قد يعطيه الله له، ولكن ذلك إنما يحصل لمن ضعف إيمانه، وقل رجاؤه، فيتصور هذا التصور، ولا شك أن من أهم إنجازات الفكر الإنساني المعاصر، المراجع المقررة في حقوق الإنسان.

والهادفة إلى حماية الإنسان من كل أشكال القهر والتسلط والعدوان التي يمكن أن يمارسها إنسان على آخر، أفرادا أو جماعات، وتتمثل تلك المراجع في كل الإعلانات العالمية والمواثيق الدولية أو المحلية المهتمة بحقوق الإنسان، وأن الناظر إلى مرجعيات هذه الإعلانات والفلسفات النظرية المؤطرة لكثير من الحقوق المندرجة تحتها، وإلى أشكال التطبيق والتنفيذ المعاصرة داخل القطر الواحد، أو بين  الأقطار والشعوب المختلفة، يلحظ أن ثمة مشكلات بنيوية تسهم في جعل تلك الإعلانات غير متحققة بمقاصدها وغاياتها، وإن الانتكاسة التي تعرفها حقوق الإنسان في عالمنا المعاصر، ترجع في جانب مهم منها إلى عدم النظر إلى الحقوق من الجهة الأولى، إلا باعتبار المصلحة الذاتية والمردودية والإنتاجية والأداء الكمي الذي بشر به العصر الصناعي على حد تعبير إريك فروم.

ونجد تفسير هذا  في مذهب المنفعة الذي يمثل الأساس النظري للديمقراطية الليبرالية الذي ينص على أنه مبرر أخلاقيا أن يتصرف الفرد في ضوء مصالحه، وأنه كلما فعل الفرد هذا أكثر عاش حياة أفضل، وعليه وبناء على ما سبق لا يمكن إلزام الإنسان باحترام حقوق غيره إذا لم يكن يرى في ذلك منفعة أو مصلحة ذاتية ليصح إطلاق المذهب الأناني الذي روج له توماس هوبز، على مذهب المنفعة، وإن أهمية ودور الأديان في تفعيل وترشيد وتصويب منظومة الحقوق المعاصرة من خلال التأكيد على أن الديانات السماوية تأتي على رأس المصادر التي عنيت بالإنسان ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا، في هذا الخصوص إن ما تم التنصيص عليه، مثلا، في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ألف وتسعمائة وثماني وأربعين ميلادي.

وفي العديد من الإعلانات والمواثيق  التالية ذات الصلة بحقوق الإنسان، بشأن عدم جواز التمييز في المعاملة بين الأفراد لأسباب متعلقة بالجنس أو الأصل الوطني، أو العرقي أو الانتماء السياسي، ما هو إلا أمر كاشف عما نصت عليه، قبلا، هذه الأديان السماوية، إذ تلتقي الرسالات التوحيدية الثلاث اليهودية، المسيحية والإسلام حول إحترام الإنسان عامة، والدعوة إلى تحقيق الكرامة الإنسانية، والمساواة التي تعد أساس الحقوق جميعا، ولقد جاءت النصوص التوراتية والإنجيلية والإسلامية المؤكدة لبعض الحقوق الإنسانية، وأن الشريعة اليهودية الأصلية التي جاء بها نبي الله موسي عليه السلام قد أسهمت بشكل كبير في ترسيخ قيم حقوق الإنسان من منطلق ما أوصت به من حقوق، وما دعت إليه من وجوب حمايتها من كل اعتداء، غير أنه وفي اللحظة هاته.

يتوجب علينا الإجابة عن سؤالين مهمين حتى يتسنى لنا فهم منطق اليهودية في الدفاع عن حقوق الإنسان، أولهما هل شريعة نبي الله موسى عليه السلام احتفظت بخاصية الرحمة والموعظة التي وصفها القرآن الكريم بها، أم اكتسبت صفات أخرى مناقضة لذلك؟ وهل الحقوق التي أقرتها التوراة مطلقة تشمل كل الناس، أم أنها خاصة ببني إسرائيل؟ والجواب عن السؤال الأول بالسلب قطعا إذ بقراءتنا لسفرين من أسفار العهد القديم، وهما سفر التثنية وسفر العدد يتبين أن شريعة نبي الله موسى عليه السلام تحولت من شريعة الرحمة كما وصفها القرآن الكريم إلى شريعة الإصر والأغلال والحرج والمشقة والأخذ بقوة والتشديد على الناس وفي هذا اعتداء على حقوق الإنسان وحط من كرامته، أما بخصوص السؤال الثاني فإن ما أقرته اليهودية من حقوق للإنسان.

هي خاصة ببني إسرائيل من اليهود دون غيرهم، وليست شاملة لكل الناس، إذ تضمنت التوراة نصوصا، أخلت بإطلاقها وجعلت النص الأول منحبسا في قيود أفرغته من محتواه، ونسأل الله عز وجل ان يجعلنا ممن يحب الغير للناس كافة كما نحبه لأنفسنا ونكره لهم ما نكره لأنفسنا يا رب العالمين.

osama elhaowary

About Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *