
آثار عداوة المماليك للصليبيين
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي خلق البشر وأمر بطاعته كما أخبر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلم العلن والمخبر، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله ربه إلى الأسود والأحمر، صلى الله وسلم عليه ما بزغ نجم وظهر وعلى آله وأصحابه الميامين الغرر، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المستقر أما بعد ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن فترة حكم الدولة المملوكية، وهي دولة المماليك، وكما ذكرت المصادر أنه كان لدولة المماليك علاقات مع مختلف الدول القائمة آنذاك، فبالنسبة للعلاقات الصفوية المملوكية فإنها بدأت عدائية ثم تحولت إلى صداقة، حيث كان إسماعيل الصفوي شديد الكره للمسلمين السنة، وكان المذهب السني متمثل حينها في الدولتين المملوكية والعثمانية، لذا قام إسماعيل الصفوي بمحاربتهم، بالإضافة إلى الإتفاق مع البرتغاليين والصليبيين.
على حرب الدولة المملوكية عامة، والدولة العثمانية خاصة، وأيضا كان العداء موجود بين المماليك والصفويين عندما كانت الدولة الصفوية تتوسع على حساب الدولة المملوكية في بلاد الشام، حيث وقفت الدولة المملوكية منها موقفا مناوئا، وإزداد هذا الموقف المناوئ بعد أن علم المماليك بوجود حلف عدائي بين الصفويين والقوى الأوروپية للقضاء على الدولة المملوكية، وقد أدى هذا الأمر إلى توقف الإتصالات الدبلوماسية بين هاتين الدولتين عام ألف وخمسمائة وإحدي عشر ميلادي، ولم تتجاوز إلا في عام ألف وخمسمائة وأربعة عشر ميلادي وذلك عندما خسر الصفويون في نزاعهم مع العثمانيين فأرادوا أن يحسنوا في علاقاتهم مع المماليك، وأيضا فقد كانت العلاقات بين المماليك البحرية، والحفصيين في تونس جيدة، وودية، وذلك لوجود أربعة عوامل مشتركة، أولها عامل الدين الإسلامي.
حيث كانت كلتا الدولتين تدينان بالإسلام على مذهب أهل السنة، وثانيهما عامل الجوار، والعامل الثالث هو الخطر المشترك الذي هدد العالم الإسلامي آنذاك، ثم العامل الرابع وهو الحج على إعتبار أن مصر واقعة على الطريق البري للحجاج القادمين من شمالي إفريقيا، ولكن بالرغم من العلاقات الودية بين الدولتين إلا أنه قد شابها بعض الفتور، وذلك بسبب مشكلة الخلافة لأن ملوك بني حفص تلقبوا بلقب الخلفاء، فلم يعترف المماليك بإمرة المؤمنين في السلالة الحفصية، وإنما لقبوا حاكمهم بأمير المسلمين، وهو لقب دون أمير المؤمنين في الرتبة، ويبدو أن مشكلة الخلافة لم تقف حائلا بين الدولتين في التعاون لرد العدوان الخارجي، وبالنسبة لعلاقة المماليك ببعض القوى الأوربية، فقد إجتذبت موانئ مصر المدن التجارية الإيطالية، البندقية وجنوة وبيزا، بفضل التكاليف الزهيدة.
للبضائع القادمة من الشرق الأقصى عبر هذا البلد، إضافة إلى ميزة الحصول على حاصلات الأراضي المصرية ومنتجاتها الصناعية، وكانت هناك من جهة أخرى أرباح كبيرة تتحقق بتوريد بعض السلع الأوروبية التي كانت الدولة المملوكية بحاجة إليها مثل الحديد والخشب، لكن توثيق العلاقات السلمية مع مصر لم يكن بالسهولة التي تبدو لأول وهلة بسبب عداوة المماليك للصليبيين في بلاد الشام، وكانت المدن الإيطالية خاصة تسأل قبل أن ترتبط بعلاقات تجارية مع دولة المماليك هل تسيء بذلك إلى بقية العالم المسيحي؟ لأن تجار المماليك سوف يستفيدون حتما من جراء المبادلات التجارية، كما تنتفع خزائن السلطان من حصيلة الرسوم الجمركية، ويترتب على ذلك تنامي قوة هذا البلد، مما يشكل إزديادا في الخطر على المدن الصليبية في بلاد الشام، وكان التاجر الغربي.
الذي يتاجر مع المماليك يوصف بأنه مسيحي فاجر، في حين تعرض حكام المماليك الذين يتعاونون مع التجار الغربيين للإنتقاد أيضا، وبالرغم من أن العقبات على التجارة بين مصر والمدن الإيطالية تأتي من الطرفين، إلا أنها إستمرت ناشطة أحيانا وسط الأجواء العاصفة، وكان الأمل عند الطرفين في الحصول على أرباح ومنافع جسيمة يبدد الكثير من المخاوف، وإذا كانت العلاقات بين المدن الإيطالية التجارية وبين المماليك تأرجحت بين المشاحنات والهدوء وفقا لتقلب الظروف السياسية، فإن الوضع إختلف مع الإمارات المسيحية في أوروبا الغربية مثل قشتالة وأرغونة وإشبيلية، ويبدو أن حرص الإمارات المسيحية في إسبانيا على عدم وصول نجدات من دولة المماليك إلى المسلمين في الأندلس دفع ملوكها إلى مسالمة المماليك، وتبادل الهدايا مع الأمراء في مصر.
وإذا كانت التجارة مع المماليك مباحة بوجه عام لرعايا ملك أراغون فإنه كان محظورا عليهم أن يبيعوا المسلمين مواد بناء السفن أو سفنا مبنية، وفي عام ستمائة وثلاثة وسبعون هجريا، الموافق عام ألف ومائتان واربعة وسبعون ميلادي، أصدر يعقوب الأول ملك أراغون مرسوما يحظر فيه تصدير المعادن والخشب والأسلحة والمواد الغذائية إلى المماليك، وبالنسبة للعلاقات مع صقلية، فقد إرتبطت صقلية بعلاقات طيبة مع حكام مصر منذ العهد الأيوبي، وقد تمتع الصقليون في مصر بتخفيض في التعريفات، وإستمرت هذه العلاقة الطيبة في عهد دولة المماليك البحرية، إذ حرص مانفرد بن فريدريك الثاني على صداقة السلطان بيبرس، كما حرص هذا الأخير على الإحتفاظ بعلاقة الود التي ربطت مصر بمملكة صقلية، وقد جمعت الطرفين مصلحة مشتركة.
وهي العداء للصليبيين في بلاد الشام ومغول فارس، وتشير المراجع إلى تبادل الهدايا بين مانفرد وبيبرس، فأرسل هذا الأخير في عام ستمائة هجريا الموافق عام ألف ومائتان وواحد وستون ميلادي، وفدا برئاسة المؤرخ جمال الدين بن واصل إلى ملك صقلية، وحمله هدية جليلة منها بعض الزرافات، وبعض أسرى عين جالوت من المغول، وقد رد مانفرد بسفارة مشابهة تحمل الهدايا للسلطان.

