بقلم/نشأت البسيوني

هناك لحظة في العمر يا صديقي
حين يصبح الليل صديقك الوحيد
وحين تتكئ روحك على الصمت
وتسمع بين أنفاسك همسا لم تسمعه في النهار
همسا يقول لك ما لم يقال لك أحد
ويعيد إليك كل ما فقدته من نفسك وأحلامك
الليل لا يكذب
لا يبتسم بلا سبب ولا يخفف الألم
بل يكشف عن كل شيء دفين
عن كل ضعف كتم
عن كل حب مات قبل أن يولد
عن كل خيبة حاولت أن تنكرها بالابتسامات
كم مرة جلست وحدك
تتحدث مع نفسك بصوت خافت
وتعد فيها وجعك
تعدد الخيبات الخيبات الصغيرة والكبيرة
تعدد فقد من أحببت
وأصدقاء رحلوا قبل أن تعرفهم
وأحلام انهارت قبل أن تصل إليها
يا صديقي
الليل يعلمنا شيئا مهما
أننا أحيانا بحاجة لأن نواجه أنفسنا
نستمع لأوجاعنا بلا أقنعة
نرى الحقيقة بلا تزييف
ونعلم أن القوة ليست في التجاهل
بل في القدرة على الاعتراف بالوجع
ثم النهوض مرة أخرى
حين يهمس الليل بأسرار القلب المنهك
تتضح أمامك تفاصيل لم تكن تراها في ضوء النهار
كل خيبة كل فقد كل ألم
تتحول إلى درس صغير
إلى بصمة تذكرك بأنك ما زلت حيا
وأن روحك مهما انهارت
تملك القدرة على إعادة بناء نفسها من جديد
وكم من مرة أحسست بأنك على وشك الاستسلام
ثم جاء الليل ليخبرك بصمت
الصبر ليس مجرد انتظار
بل هو أن تظل تقف رغم كل الانكسارات
وأن تستمر في المشي رغم الجروح
الليل يا صديقي ليس وحيدا كما نعتقد
هو مرآة القلب
يريك من أنت حقا
ويذكرك بأن كل وجع مهما كان كبيرا
هو فرصة لتكون أقوى أعمق وأكثر قدرة على الحب
حتى لو كان الحب مؤلما
حين يهمس الليل بأسرار القلب المنهك
تكتشف أن الغياب والفقد والخيبة
لم يأتوا ليقتلوك
بل ليعلموا روحك أن تحيا بصدق
أن تكون حاضرا
أن تعطي أن تصبر وأن تحلم من جديد
مهما طالت الليالي ومهما ثقلت الجراح
وفي النهاية يا صديقي
ستدرك أن الليل ليس إلا مرشدا هادئا
يرشدنا إلى أنفسنا
ويعلمنا أن نحمل وجعنا بلطف
وأن نكمل الطريق
مهما بدا الظلام دامسا
ومهما بدا القلب منهكا
فالنور ما زال بداخلك
والأمل لم يرحل بعد
والحب الحقيقي يبدأ دائما من القلب الذي يعرف وجعه قبل أن يعرف فرحه